فصل: 19- وصية قاضي العسكر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف



.19- وصية قاضي العسكر:

إذا كان منفردا فإنه لا يوصى كما يوصى قاضي العمل المستقل؛ وقد تكون على هذا النحو:
(وهو الحاكم على أن لا تنفذ إلا أقضية السيوف، ولا تزدحم الغرماء إلا في مواقف الصفوف، والماضي قلمه وكل خطي يميد بالدماء، والمضي سجله وقد طوى العجاج كالكتاب سجل السماء؛ وأكثر ما يتحاكم إليه في الغنائم التي لم تحل لأحد قبل هذه الأمة، وفي الشركة وما تطلب فيه القسمة، وفي المبيعات وما يرد منها بعيب، وفي الديون المؤجلة وما يحكم فيها بغيب؛ وكل هذا مما لا يحتمل طول الأناة في القضاء، وإشغال الجند المنصور عن مواقف الجهاد بالتردد إليه للإمضاء؛ فليكن مستحضرا لهذه المسائل ليبت الحكم في وقته، ويسارع السيف المصلت في ذلك الموقف ببته، وليعلم أن العسكر المنصور هم في ذلك الموطن أهل الشهادة، وفيهم من يكون جرحه تعدينا له وزيادة؛ فليقبل منهم من لا تخفى عليه سيماء القبول، ولا يرد منهم من لا يضره أن يرده هو وهو عند الله مقبول؛ وليجعل له مستقرا معروفا في المعسكر يقصد فيه إذا نصبت الخيام، وموضعا يمشي فيه ليقضي فيه وهو سائر وأشهر ما كان على يمين الأعلام؛ وليلزم ذلك طول سفره وفي مدد المقام، ولا يخالفه ليبهم على ذوي الحوائج فما هو بالصالحية بمصر ولا بالعادلية بالشام؛ وليتخذ معه كتابا تكتب للناس وإلا فمن أين يوجد مركز الشهود، وليسجل لذي الحق بحقه وإلا فما انسد باب الجحود. وتقوى الله هي التي بها تنصر الجنود، وما لم تكن أعلى ما يكون على أعلام الحرب وإلا فما الحاجة إلى نشر البنود).

.20- وصية محتسب:

(وقد ولي أمر هذه الرتبة، ووكل بعينه النظر في مصالح المسلمين لله حسبه؛ فلينظر في الدقيق والجليل، والكثير والقليل، وما يحصر بالمقادير وما لا يحصر، وما لا يأمر فيه بمعروف أو ينهى عن منكر، وما يشترى ويباع، وما يقرب بتحريره إلى الجنة ويبعد من النار ولو لم يكن قد بقى بينه وبينها إلا قدر باع أو ذراع؛ وكل ما يعمل من المعايش في نهار أو ليل، وما لا يعرف قدره إلا إذا نطق لسان الميزان أو تكلم فم الكيل. وليعمل لديه معدلا لكل عملن وعيارا إذا عرضت عليه المعايير يعرف من جار ومن عدل. وليتفقد أكثر هذه الأسباب، ويحذر من الغش فإن الداء أكثره من الطعام أو الشراب. وليتعرف الأسعار ويستعلم الأخبار، في كل سوق من غير إعلام لأهله ولا إشعار؛ وليقم عليه من الأمناء من ينوب عنه في النظر، ويطمئن به وإن غاب إذا حضر؛ ويأمره بإعلامه بما أعضل، ومراجعته مهما أمكن فإن رأي مثله أفضل.
ودار الضرب والنقود التي منها تنبث، وقد يكون فيها من الزيف ما لا يظهر إلا بعد طول اللبث: فليتصد لمهمها بصدره الذي لا يحرج، وليعرض منها على المحك من رأيه ما لا يجوز عليه بهرج، وما يعلق من الذهب المكسور ويروبص من الفضة ويخرج، وما أكلت النار كل لحامه أو بعضه فليقم عليه من جهته الرقباء، وليقم على شمس ذهبه من يرقب منه ما ترقب من الشمس الحرباء؛ وليقم الضمان على العطارين والطرقية في بيع غرائب العقاقير إلا ممن لا يستراب فيه وهو معروف، وبخط متطبب ماهر لمريض معين في دواء موصوف. والطرقية وأهل النجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى ساسان، ومن يأخذ أموال الرجال بالحيلة ويأكلهم باللسان، وكل إنسان سوء من هذا القبيل هو في الحقيقة شيطان لا إنسان: امنعهم كل المنع، واصدعهم مثل الزجاج حتى لا ينجبر لهم صدع، وصب عليهم النكال وإلا فما يجدي في تأديبهم ذات التأديب والصفع، واحسم كل هذه المواد الخبيثة، واقطع ما يجدد ضعفاء الناس من هذه الأسباب الرثيثة؛ ومن وجدته قد غش مسلما، أو أكل بباطل درهما، أو أخبر مشتريا بزائد، أو أخرج عن معهود العوائد: أشهره في البلد، وأركب تلك الآلة قفاه حتى يضعف منه الجلد. وغير هؤلاء من فقهاء المكاتب وعالمات النساء وغيرهما من الأنواع ممن يخاف من ذئبه العائث في سرب الظباء والجآذر، ومن يقدم على ذلك ومثله وما يحاذر: ارشقهم بسهامك، وزلزل أقدامهم بإقدامك، ولا تدع منهم إلا من اختبرت أمانتهن واخترت صيانته. والنواب لا ترض منهم إلا من يحسن نفاذا، ويحسب لك أجر استنابته إذا قيل لك من استنبت فقلت هذا. وتقوى الله هي نعم المسالك، وما لك في كل ما ذكرناه بل أكثره إلا إذا عملت فيه بمذهب مالك).

.21- وصية خطيب:

(وليرق هذه الرتبة التي رفعت له ذرى أعوادها، وقدمت له من المنابر مقربات جيادها؛ وليصعد منها أعلى درجه، وليسعد منها بصهوة كأنما كانت له من بكرة يومه المشرق مسرجه؛ وليرع حق هذه الرتبة الشريفة، والذروة التي ما أعدت إلا لأمام فرد مثله أو خليفة؛ وليقف حيث تخفق على رأسه الأعلام، ويتكلم فتخرس الألسنة وتجف في فم الذرى الأقلام؛ ولقرع المسامع بالوعد والوعيد، ويذكر بأيام الله {من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} ويلين القلوب القاسية وإن كان منها ما هو أشد قسوة من الحجارة أو الحديد؛ وليكن قد قدم إلى نفسه قبل أن يتقدمن وليسبل عليه درع التوبة قبل أن يتكلم؛ وليجعل لكل مقام مقالا يقوم به على رءوس الشهاد، ويفوق منه سهما لا يخطئ موقعه كل فؤاد؛ وليقم في المحراب قيام من يخشى ربه، ويخاف أن لا يخطف الوجل قلبه؛ وليعلم أن صدفة ذلك المحراب ما انفلقت عن مثل درته المكنونة، وصناديق الصدور ما أطبقت على مثل جوهرته المخزونة؛ وليؤم بذلك الجم الغفير، وليتقدم بين أيديهم فإنه السفير؛ وليؤد هذه الفريضة التي هي من أعظم الأركان، وأول الأعمال التي توضع في الميزان، وأقرب القرب التي يجمع إليها داعي كل أذان؛ وليقم بالصلاة في أوقاتها، وليرح بها الناس في أول ميقاتها؛ وليخفف مع الإتمام، وليتحمل عمن وراءه فإنه هو الإمام. وعليه بالتقوى في عقد كل نية، وأمام كل قضية؛ والله تعالى يجعله ممن ينقلب إلى أهله وهو مسرور، وينصب له مع الأئمة المقسطين يوم القيامة على يمين الرحمن منابر من نور).

.22- وصية شيخ الشيوخ:

(وأنت في الأيام قدوة، وللأنام أسوة، ومنك تتلقف الوصايا، وبك تتثقف السجايا؛ وإنما هي بركات سمائية لا يجد أحد غنى عن مزيدها، وحركات إلهية لا يبلغ نهاية في تعديدها؛ وهي مشكاة أنوار، وميقات أذكار، وأوقات تطوع زمانها كله نهار، وأساس ما يبنى عليه الاجتهاد فأدم تشمير الذيل، {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل}؛ وخذ جماعتك بمأخذك في الأمور، وذكرهم بأيام الله {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} ولازم لله المراقبة، ودوام في الله المصاحبة؛ ومثلك خير كله، وسحاب لا يتقلص ظله؛ ومن عندك في هذا المكان، كلهم لك إخوان، وهم لك على التقوى أعوان، وكلهم كالشجرة يجمعها أصل واحد تفرعت منه أغصان، فاعرف لأهل السابقة حقهم ومنك وإلا فممن يطلب العرفان؛ وبصبر من هام بليلى ولعا باسمها وما عرف المسمى، ووقف حائرا لما استبعد المرمى، وظن أن لثامها دونها يمنع لثما، وتوهم أن الحجاب العلة وما عرف أن طرفه عن حسنها أعمى. فداو قلوبهم المرضى، ونبه جفونهم من رقداتها فقد أطالت غمضا، وارفق بهم ودارهم وارض بأن تكون لهم أرضا، ولا تدع من تراه ترك نافلة حتى ترى دوام السهر على عينيه فرضا. وأحسن تربية من استجد في التنقل من حال إلى حال، وإيقاظه من أول عشاء حتى يتعب ويرد الليل أسمال. وتدريج المريدين على قدر ما تحتمله أفهامهم، وتشتمله من مطارف القوة أيامهم. وإياك والمعاجلة بكئوس لا تقوى كل قوة على شرابها، وكشف حقيقة غاية كثير من الناس أن يقف بعيدا عن حجابها. وألزم كلا ممن عندك أو استجد تلاوة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما الثقلان، وحسب من غذى بهما قلبه وهو ملآن؛ فلا طريق إلى الله إلا من سبيلهما، ولا هدى إلا لمن استرشد بدليلهما؛ فعليك بهما فهما المنهاج والشرعة، وإياك إياك من كل محدثة فكل محدثة ضلالة وكل ضلالة بدعه.
فاتخذهما لك إلى الله الذريعة، ومر بتجنب ما سواهما فقد أجمعت الأمة على بطلان كل حقيقة تخالفها الشريعة. ومن مال إلى ما نعوذ بالله منه من اتحاد أو حلول، أو ادعى أنه يكون إلى الله من غير طريق الأنبياء وصول، فكن أنت المنكر عليه، والسارق بعدلك السيف إليه. ومن لم يكن قلبه قد اشرب كفرا، ولا أعمل في إقامة الدليل فكرا، فخذه بالتوبة والاستغفار، وخذه بما أمر الله به نبيه: {قل إنما إلهكم إله واحد لا إله إلا هو سبحانه هو الله الواحد القهار}. واعلم يقينا بأن أولئك أمورهم بينة وهي متشابهة، وأنهم بالغوا في التوحيد فوقعوا في الشرك إذ أرادوا أن يجعلوا الكل إلها واحدا فجعلوه آلهة. ولا يموه عليك من ادعى أو ادعي له أنه إنما قال ذلك شطحة في سكره، فقد صدق ولكنه خمار مسكراته أو من مخامرة كفره.
وقد يقول قوم إنهم من العشاق، وما كذبوا فإنهم ما موهوا إلا في فعلهم وأما قولهم فهم محمول على الإطلاق. وإياك والرأفة على أحد من هذه الفرقة الضالة رأفة رحيم، أو مخادعة رأيك فيهم فما أنت به من سوء باطنهم عليم، وخذ في أمرهم بالحزم {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} ومن دخل في هذه الطائفة من غير أهلها أو تغير عما عهد عليه لا تحسن له ملتقى، ولا تدع له مرتقى، ولا تحمل أحد منهم على الحلم {بلى من أوفى بعهده واتقى} وأنت كبير قوم تهوي إليك نجائبهم من كل فج عميق، وترد عليك ركائبهم من الطريقة والطريق: فوسع لملتقاهم صدرك الرحيب، ونوع لقراهم برك القريب؛ واعلم بأنك أصبحت في بيوتك للوفود مقيم ومقيل، وقبيح بمن تخلق بصفات الكريم رد نزيل؛ فأي مسافر وقف لك على باب، أو مت إليك من خرقة الفقر بأسباب، عجل له الإذن في الدخول، واضرب له ببشرك به مثلا في البشرى بقرب الوصول: فأنتم قوم مبنى أمركم على التوكل فدع هذا من التوكل وما نوى، وأمر بأن يؤخذ عكازه وتفرش سجادته لتلقي غربته عصاها ويستقر بها النوى؛ ومثل هذا المغترب إن لم تسهم له مع من عندك بنصيب، لا يقدم عليك غريب، ولا يصح له مع الغرباء ما يقال: كل غريب للغريب نسيب: فمن مثل هذه الصدقة كسبه، وما أتاك حتى توكل على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وبقية ما يقاس وما يقال، وما توشع به من وظائف الذكر الحميد أردية بكر وآصال؛ فعن تعبداتك يحكي الحاكي، ومن تهجداتك يشكو الليل لو يعطف المشكو على الشاكي، وبسببك يتنافس في العمل الزاكي، وبك يتأسى طرف كل واحد لولاك ما كان بالباكي ولا المتباكي. وتقوى الله بها تبدو لطائف الأسرار، ويغدو {الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار} وهي قوت قلبك، وقوة حبك، وبها كانت أول صلتك بالحق ووصولك إلى ربك، فما نذكرها إلا لنثبتك من نوازع وجد كاد رياها يطير بلبك).

.23- وصية نقيب السادة الأشراف:

(ونحن نجلك عن الوصايا إلا ما نبترك بذكره، ويسرك إذا اشتملت على سره؛ فأهلك أهلك. راقب الله ورسوله جدك صلى الله عليه وسلم فيما أنت عنه من أمورهم مسئول، وارفق بهم فهم أولاد أمك وأبيك حيدرة والبتول؛ وكف يد من علمت أنه قد استطال بشرفه فمد إلى العناد يدا، واعلم بأن الشريف والمشروف سواء في الإسلام إلا من اعتدى، وأن الأعمال محفوظة ثم معروضة بين يدي الله فقدم باليوم ما تفرح به غدا؛ وأزل البدع التي ينسب إليها أهل الغلو في ولائهم، والعلو فيما يوجب الطعن على آبائهم، لأنه يعلم أن السلف الصالح رضي الله عنهم كانوا منزهين عما يدعيه خلف السوء من افتراق ذات بينهم، ويتعرض منهم أقوام إلى ما يجرهم إلى مصارع حينهم؛ فللشيعة عثرات لا تقال، من أقوال ثقال؛ فسد هذا الباب سد لبيب، واعمل في حسم موادهم عمل أريب، وقم في نهيهم والسيف في يدك قيام خطيب، وخوفهم من قوارعك مواقع كل سهم مصيب؛ فما دعي بـ (حي على خير العمل) إلى خير من الكتاب والسنة والإجماع، فانظم في نادي قومك عليها عقود الاجتماع؛ ومن اعتزى إلى اعتزال، أو مال إلى الزيدية في زيادة مقال، أو ادعى في الأئمة الماضين ما لم يدعوه، أو اقتفى في طرق الإمامية بعض ما ابتدعوه، أو كذب في قول على صادقهم، أو تكلم بما أراد على لسان ناطقهم، أو قال إنه تلقى عنهم سرا ضنوا على الأمة ببلاغه، وذادوهم عن لذة مساغه، أو روى عن يوم السقيفة والجمل غير ما ورد أخبارا، أو تمثل بقول من يقول: عبد شمس قد أوقدت لبني هاشم نارا، أو تمسك من عقائد الباطن بظاهر، أو قال إن الذات القائمة بالمعنى تختلف في مظاهر، أو تعلق له بأئمة الستر رجاء، أو انتظر مقيما برضوى عنده عسل وماء، أو ربط على السرداب فرسه لمن يقود الخيل يقدمها اللواء، أو تلفت بوجهه يظن عليا- كرم الله وجهه- في الغمام، أو تفلت من عقال العقل في اشتراط العصمة في الإمام. فعرفهم أجمعين أن هذا من فساد أذهانهم، وسوء عقائد أديانهم؛ فإنهم عدلوا في التقرب بأهل هذا البيت الشريف عن مطلوبهم، وإن قال قائل إنهم طلبوا فقل له {كلا بل ران على قلوبهم}.
وانظر في أمور أنسابهم نظرا لا يدع مجالا للريب، ولا يستطيع معه أحد أن يدخل فيهم بغير نسب، ولا يخرج منهم بغير سبب، وساوق المتصرفين في أموالهم في كل حساب واحفظ لهم كل حسب. وأنت أولى من أحسن لمن طعن في أسانيد هذا الحديث الشريف أو تأول فيه على غير مراد قائله صلى الله عليه وسلم تأديبا، وأراهم مما يوصلهم إلى الله وإلى رسوله طريقا قريبا؛ ونكل بمن قد علمت أنه قد مالأ على الحق ومال إلى فريق الباطل فرقا، وطوى صدره على الغل وغلب من أجله على ما سبق في علم الله من تقديم من تقدم حنقا، وحار وقد أوضحت لهم الطريقة المثلى طرقا؛ واردعهم عن تعرضوا في القدح إلى نضال نصال، وامنعهم فغن فرقهم كلها وإن كثرت خابطة في ظلام ضلال؛ وقدم تقوى الله في كل عقد وحل، واعمل بالشريعة الشريفة فإنها السبب الموصول الحبل؛ والله تعالى يرفعك في الزلفى إلى أشرف محل، ويمد لك رواق عز إذا أبرز له البرق خده خجل أو مد الغمام معه سرادقاته اضمحل).